فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلما قالوا كان كأنه قيل: فماذا أجابهم؟ فأخبر أنه أنكر عليهم، بقوله: {قال موسى} ولما كان تكريرهم لذلك القول أجدر بالإنكار، عبر بالمضارع الدال على أنهم كرروه لينسخوا ما ثبت في قلوب الناس من عظمته: {أتقولون للحق} ونبه على أنهم بادروا إلى التكذيب من غير نظر ولا توقف بقوله: {لما جاءكم} أي هذا القول الذي قلتموه وهو أنه سحر، فإن القول يطلق على المكروه، تقول: فلان قال في فلان، أي ذمه، وفلان يخاف القالة، وبين الناس تقاول؛ ثم كرر الإنكار بقوله: {أسحر هذا} أي الذي هو في غاية الثبات والمخالفة للسحر في جميع الصفات حتى تقولون فيه ذلك.
فالآية من الاحتباك: ذكر القول في الأول دال على حذف مثله في الثاني، وذكر السحر الثاني دال على حذف مثله في الأول.
ولما كان التقدير: أتقولون هذا والحال أنكم قد رأيتم فلاحه، بني عليه قوله: {ولا يفلح} أي يظفر بما يريد في وقت من الأوقات: {الساحرون} أي العريقون فيه لأن حاصل أمرهم تخييل وتمويه في الأباطيل، فالظفر بعيد عنهم، ويجوز أن تجعل هذه الجملة معطوفه على قوله: {أسحر هذا} لأنه إنكاري بمعنى النفي، فلما أنكر عليهم عليه السلام ما ظهر به الفرق الجلي بين ما أتى به في كونه أثبت الأشياء وبين السحر، لأنه لا ثبات له أصلًا، عدلوا عن جوابه إلى الإخبار بما يتضمن أنهم لا يقرون بحقيته لأنه يلزم عن ذلك ترك ما هم عليه من العلو وهم لا يتركونه، وأوهموا الضعفاء أن مراده عليه السلام الاستكبار معللين لاستكبارهم عن اتباعه بما دل على أنهم لا مانع أنهم منه إلا الكبر، فقال تعالى حكاية عنهم: {قالوا} أي منكرين عليه معللين بأمرين: التقليد، والحرص على الرئاسة.
ولما كان هو الأصل في الرسالة.
وكان أخوه له تبعًا، وحدوا الضمير فقالوا: {أجئتنا} أي أنت يا موسى: {لتلفتنا} أي لتقتلنا وتصرفنا: {عما وجدنا عليه} وقالوا مستندين إلى التقليد غير مستحيين من ترك الدليل: {آباءنا} من عبادة الأصنام والقول بالطبيعة لنقل نحن بذلك: {وتكون لكما} أي لك أنت ولأخيك دوننا: {الكبرياء} أي بالملك: {في الأرض} أي أرض مصر التي هي- لما فيها من المنافع- كأنها الأرض كلها: {وما} أي وقالوا أيضًا: ما: {نحن لكما} وبالغوا في النفي وغلب عليهم الدهش فعبروا بما دل على أنهم غلبهم الأمر فعرفوا أنه صدق ولم يذعنوا فقالوا: {بمؤمنين} أي عريقين في الإيمان، فهو عطف على: {أجئتنا} أي قالوا ذاك وقالوا هذا، أو يكون عطفًا على نحو: فما نحن بموصليك إلى هذا الغرض، أفردوه أولًا بالإنكار عليه في المجيء ليضعف ويكف أخوه عن مساعدته، وأشركوه معه ثانيًا تأكيدًا لذلك الغرض وقطعًا لطمعه؛ والبعث: الإطلاق في أمر يمضي فيه، وهو خلاف الإطلاق من عقال؛ والملأ: الجماعة الذين هم وجوه القبيلة، لأن هيبتهم تملأ الصدور عند منظرهم؛ والاستكبار: طلب الكبر من غير استحقاق؛ والمجرم من اكتسب سيئة كبيرة، من جرم التمر- إذا قطعه، فالجرم يوجب قطع الخير عن صاحبه؛ والسحر: إيهام المعجزة على طريق الجيلة، ويشبه به البيان في خفاء السبب؛ والحق: ما يجب الحمد عليه ويشتد دعاء الحكمة إليه ويعظم النفع به والضرر بتركه؛ والكبرياء: استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب، وهي صفة مدح لله وذم للعباد لأنها منافية لصفة العبودية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}
اعلم أن هذا الكلام غني عن التفسير وفيه سؤال واحد، وهو أن القوم لما قالوا: {إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} فكيف حكى موسى عليه السلام أنهم قالوا: {أَسِحْرٌ هذا} على سبيل الاستفهام؟
وجوابه: أن موسى عليه السلام ما حكى عنهم أنهم قالوا: {أَسِحْرٌ هذا} بل قال: {أَتقُولُونَ لِلْحَقّ لَمَّا جَاءكُمْ} ما تقولون، ثم حذف عنه مفعول: {أَتَقُولُونَ} لدلالة الحال عليه، ثم قال مرة أخرى: {أَسِحْرٌ هذا} وهذا استفهام على سبيل الإنكار، ثم احتج على أنه ليس بسحر، وهو قوله: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون} يعني أن حاصل صنعهم تخييل وتمويه: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون} وأما قلب العصا حيّة وفلق البحر، فمعلوم بالضرورة أنه ليس من باب التخييل والتمويه؛ فثبت أنه ليس بسحر.
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى حكى عن فرعون وقومه أنهم لم يقبلوا دعوة موسى عليه السلام، وعللوا عدم القبول بأمرين: الأول: قوله: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَائِنَا} قال الواحدي: اللفت في أصل اللغة الصرف عن أمر، وأصله اللَّيّ يقال: لفت عنقه إذا لواها، ومن هذا يقال: التفت إليه، أي أمال وجهه إليه.
قال الأزهري: لفت الشيء وفتله إذا لواه، وهذا من المقلوب.
واعلم أن حاصل هذا الكلام أنهم قالوا: لا نترك الدين الذي نحن عليه، لأنا وجدنا آبائنا عليه، فقد تمسكوا بالتقليد ودفعوا الحجة الظاهرة بمجرد الإصرار.
والسبب الثاني: في عدم القبول قوله: {وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء في الأرض} قال المفسرون: المعنى ويكون لكما الملك والعز في أرض مصر، والخطاب لموسى وهارون.
قال الزجاج: سمى الملك كبرياء، لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا، وأيضًا فالنبي إذا اعترف القوم بصدقه صارت مقاليد أمر أمته إليه، فصار أكبر القوم.
واعلم أن السبب الأول: إشارة إلى التمسك بالتقليد، والسبب الثاني: إشارة إلى الحرص على طلب الدنيا، والجد في بقاء الرياسة، ولما ذكر القوم هذين السببين صرحوا بالحكم وقالوا: {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا}
وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لتلوينا، قاله قتادة.
الثاني: لتصدنا، قاله السدي.
الثالث: لتصرفنا، من قولهم لفته لفتًا إذا صرفه ومنه لفت عنقه أي لواها، قاله عليّ بن عيسى.
{وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: الملك، قاله مجاهد.
الثاني: العظمة، حكاه الأعمش.
الثالث: العلو، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
الرابع: الطاعة، قاله الضحاك. اهـ.

.قال ابن عطية:

والضمير في: {بعدهم} على الرسل، والضمير في: {ملئه} عائد على: {فرعون}، والملأ: الجماعة من قبيلة وأهل مدينة، ثم يقال للأشراف والأعيان من القبيلة أو البلد ملأ، أي هم يقومون مقام الملأ، وعلى هذا الحد هي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريش بدر: «أولئك الملأ» وكذلك هي في قوله تعالى: {إن الملأ يأتمرون بك} [القصص: 20]. وأما في هذه الآية فهي عامة لأن بعثة موسى وهارون كانت إلى فرعون وجميع قومه من شريف ومشروف وقد مضى في: {المص} [الأعراف: 1]، ذكر ما بعث إليهم فيه، والآيات البراهين والمعجزات وما في معناها، وقوله: {فاستكبروا} أي تعظموا وكفروا بها، و: {مجرمين} معناه يرتكبون ما لم يبح الله ويجسرون من ذلك على الخطر الصعب.
{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ}
يريد ب: {الحق} آيتي العصا واليد، ويدل على ذلك قولهم عندهما: هذا سحر ولم يقولوا ذلك إلا عندهما ولا تعاطوا إلا مقاومة العصا فهي معجزة موسى عليه السلام التي وقع فيها عجز المعارض، وقرأ جمهور الناس: {لسحر مبين} وقرأ سعيد بن جبير والأعمش: {لساحر مبين}، ثم حكي عن موسى أنه وقفهم ووبخهم بقوله: {أتقولون للحق لما جاءكم} ثم اختلف المتأولون في قوله: {أسحر هذا} فقالت فرقة: هو حكاية من موسى عنهم على معنى أن قولهم كان: {أسحر هذا} ثم اختلف في معنى قول قوم فرعون: {أسحر هذا} فقال بعضهم: قالها منهم كل مستفهم جاهل بالأمر فهو يسأل عنه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يضعفه ما ذكر الله قبل عنهم من أنهم صمموا على أنه سحر بقولهم: {إن هذا لسحر مبين} وقال بعضهم بل قالوا ذلك على معنى التعظيم للسحر الذي رأوه بزعمهم كما تقول لفرس تراه يجيد الجري: أفرس هذا؟ على معنى التعجب منه والاستغراب وأنت قد علمت أنه فرس، وقالت فرقة غير هاتين: ليس ذلك حكاية من موسى عنهم بل القول الذي حكاه عنهم مقدر تقديره أتقولون للحق لما جاءكم سحر.
قال القاضي أبو محمد: أو نحو هذا من التقدير، ثم ابتدأ يوقفهم بقوله: {أسحر هذا} على جهة التوبيخ، ثم أخبرهم عن الله تعالى أن الساحرين لا يفلحون ولا يظفرون ببغية، ومثل هذا التقدير المحذوف على هذا التأويل موجود في كلام العرب، ومنه قول ذي الرمة:
فلما لبسن الليل أو حين نصّبت ** له من خذا آذانها وهو جانح

يريد أو حين قاربن ذلك، ومنه قول الله تعالى: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} [الإسراء: 7] المعنى بعثناهم ليسوءوا، ومثل هذا كثير شائع، وقوله تعالى: {قالوا أجئتنا} الآية، المعنى قال قوم فرعون لموسى: أجئتنا لتصرفنا وتلوينا وتردنا عن دين آبائنا، ويقال لفت الرجل عن الآخر إذا لواه، ومنه قولهم: التفت فإنه افتعل من لفت عنقه، ومنه قول رؤبة: [الرجز]
لفتًا وتهزيعًا سواء اللفت

وقرأ السبعة سوى أبي عمرو فإنه اختلف عنه {وتكون} بالتاء من فوق وهي قراءة جمهور الناس، وقرأ الحسن بن أبي الحسن فيما زعم خارجة وإسماعيل، {ويكون} بالياء من تحت ورويت عن أبي عمرو وعن عاصم وهي قراءة ابن مسعود، و: {الكبرياء}: مصدر مبالغ من الكبر، والمراد به في هذا الموضع الملك، وكذلك قال فيه مجاهد والضحاك وأكثر المتأولين، لأنه أعظم تكبر الدنيا، ومنه قول الشاعر [ابن الرقاع]: [الخفيف]
مؤددا غير فاحش لا تدانيـ ** ـه تجبارة ولا كبرياء

وقوله: {بمؤمنين} بمصدقين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ} أي من بعد الرسل والأُمم.
{موسى وَهَارُونَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أي أشراف قومه.
{بِآيَاتِنَا} يريد الآيات التسع، وقد تقدّم ذكرها.
{فاستكبروا} أي عن الحق.
{وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} أي مشركين.
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا} يريد فرعون وقومه.
{قالوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} حملوا المعجزات على السحر.
قال لهم موسى: {أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا} قيل: في الكلام حذف، المعنى: أتقولون للحق هذا سحر.
ف {أتقولون} إنكار وقولهم محذوف أي هذا سحر، ثم استأنف إنكارًا آخر من قِبَله فقال: أسحر هذا!.
فحذف قولهم الأوّل اكتفاء بالثاني من قولهم، منكرًا على فرعون وملئه.
وقال الأخفش: هو من قولهم، ودخلت الألف حكايةً لقولهم؛ لأنهم قالوا أسحر هذا.
فقيل لهم: أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا؛ وروي عن الحسن.
{وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون} أي لا يفلح من أتى به.
قوله تعالى: {قالوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} أي تصرفنا وتَلْوِينا، يقال: لفته يلفِته لَفْتًا إذا لواه وصرفه.
قال الشاعر:
تلفّتُّ نحو الحيِّ حتى رأيتُني ** وجِعْتُ من الإصغاء لِيتًا وأُخْدَعَا

ومن هذا التفت إنما هو عدل عن الجهة التي بين يديه.
{عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} يريد من عبادة الأصنام.
{وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء} أي العظمة والملك والسلطان.
{فِي الأرض} يريد أرض مصر.
ويقال للملك: الْكِبْرياء لأنه أعظم ما يطلب في الدنيا.
{وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} وقرأ ابن مسعود والحسن وغيرهما {ويكون} بالياء لأنه تأنيث غير حقيقي وقد فصل بينهما.
وحكى سيبويه: حضر القاضي اليوم امرأتان. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {ثم بعثنا من بعدهم} يعني من بعد الرسل: {موسى وهارون إلى فرعون وملئه} يعني أشراف قومه: {بآياتنا فاستكبروا} يعني عن الإيمان بما جاء به موسى وهارون: {وكانوا قومًا مجرمين} يعني مستكسبين للإثم: {فلما جاءهم الحق من عندنا} يعني فلما جاء فرعون وقومه الحق الذي جاء به موسى من عند الله: {قالوا إن هذا لسحر مبين} يعني أن هذا الذي جاء به موسى سحر مبين يعرفه كل أحد: {قال موسى أتقولون للحق لمَّا جاءكم أسحر هذا} فيه حذف تقديره أتقولون للحق لما جاءكم هو سحر أسحر هذا فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه ثم قال أسحر هذا وهو استفهام على سبيل الإنكار يعني أنه ليس بسحر ثم احتج على صحة قوله فقال: {ولا يفلح الساحرون} يعني حاصل السحر تمويه وتخييل وصاحب ذلك لا يفلح أبدًا: {قالوا} يعني قال قوم فرعون لموسى: {أجئتنا لتلفتنا} يعني لتصرفنا وتلوينا: {عما وجدنا عليه آباءنا} يعني من الدين: {وتكون لكما الكبرياء} يعني الملك والسلطان: {في الأرض} يعني في أرض مصر والخطاب لموسى وهارون.
قال الزجاج: سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا: {وما نحن لكما بمؤمنين} يعني بمصدقين. اهـ.